
القيروان.. عاصمة الإسلام الأولى في المغرب العربي
القيروان.. عاصمة الإسلام الأولى في المغرب العربي
سائح-تمتلك مدينة القيروان في تونس سحرًا تاريخيًا فريدًا يجعلها واحدة من أبرز المدن الإسلامية في العالم العربي. فهي ليست مجرد مدينة قديمة، بل نقطة تحول حضارية حملت لواء الإسلام إلى المغرب العربي منذ تأسيسها في القرن السابع الميلادي. تُعد القيروان اليوم وجهة سياحية وروحية تجمع بين العمارة الإسلامية الأصيلة والموروث الثقافي المتنوع، لتقدّم لزوارها تجربة غنية بالتاريخ والروحانية. تشتهر القيروان بأجوائها الهادئة وأزقتها الضيقة وأسواقها التقليدية، إضافة إلى المعالم الدينية الجليلة التي ما تزال شاهدة على حقبة ازدهار حضاري استثنائي.
تأسيس القيروان ودورها في نشر الإسلام
تأسست القيروان عام 670م (50هـ) على يد القائد المسلم عقبة بن نافع، لتصبح أول قاعدة عسكرية ثم مركزًا حضاريًا في المغرب العربي. اختيرت المنطقة بعناية لوقوعها بعيدًا عن هجمات الروم والقبائل المعارضة، ولتكـون نقطة انطلاق لنشر الإسلام في شمال أفريقيا. وبهذا تحولت القيروان إلى مدينة استراتيجية، ومنها واصل المسلمون فتوحاتهم شرقًا وغربًا.
مع مرور الزمن، ازدهرت القيروان لتصبح مركزًا دينيًا وعلميًا كبيرًا، واستقطبت العلماء والفقهاء من مختلف الأقطار. اشتهرت بمدارسها ومساجدها ومجالسها العلمية، فصارت منارةً للعلوم الشرعية والفقه المالكي، وأسهمت في تكوين نخبة من العلماء الذين حملوا الفكر الإسلامي إلى الأندلس وبلاد السودان. كما أصبحت القيروان عاصمة للدويلات التي تعاقبت بين الأمويين ثم الأغالبة والفاطميين قبل انتقال الحكم إلى القاهرة.
جامع عقبة بن نافع.. أيقونة عمارة الإسلام
يُعد جامع عقبة بن نافع من أهم رموز القيروان وعمود مجدها الإسلامي. بنـاه عقبة بن نافع عند تأسيس المدينة، ثم جرى تطويره عبر العصور ليصبح نموذجًا مهيبًا يجمع بين فنون العمارة الإسلامية الأولى وتأثيراتها المغاربية والأندلسية. يشتهر الجامع بمحرابه الجميل وساحاته الواسعة، كما يتميز بمنارته الضخمة المربعة التي تُعد من أقدم النماذج في تاريخ الإسلام.
يضم الجامع مكتبة وكنوزًا فنية من الزخارف الخشبية والخزفية، ويُقال إن مساحة محرابه تتزين ببلاطات خزفية جاءت من بغداد خلال القرن التاسع الميلادي. كما يحتضن الجامع بئرًا تاريخيًا يعرف ببئر بروطة، ترتبط به أسطورة بأن عقبة بن نافع غرز رمحه في الأرض فخرج منه الماء. يجمع الجامع بين الرمزية الدينية والمكانة التاريخية، ما يجعل زيارته جزءًا أساسيًا من تجربة القيروان.
أسواق القيروان وموروثها الثقافي
لا تكتمل زيارة القيروان دون التجول في أسواقها القديمة التي لا تزال تحتفظ بروحها التقليدية. يشتهر السوق القديم بمنتجاته الحرفية التي تعكس خبرات متوارثة منذ قرون، وأبرزها صناعة السجاد القيرواني الذي يُعد من أجود الأنواع في العالم العربي. تعتمد صناعة السجاد على تقنيات يدوية دقيقة تدمج بين الصوف الطبيعي والألوان المستوحاة من البيئة المغاربية، وتُعتبر الهدايا الأكثر طلبًا من السياح.
كما تشتهر القيروان بصناعة الفخار والنحاس والجلود، إضافة إلى منتجات الطيب والعطور التقليدية. وفي أثناء التجول، يجد الزائر مجموعة من المطاعم والمقاهي التي تقدّم الأكلات التونسية الشهيرة مثل الكسكس والطاجين والقهوة العربية. هذه الأسواق ليست مجرد مكان للتبضّع، بل مرآة لروح المدينة ومجتمعها.
تُعد القيروان محطة لا غنى عنها لكل محب للتاريخ الإسلامي والثقافة المغاربية، حيث تحتضن صفحات من المجد الإسلامي الذي ما يزال حاضرًا في شوارعها ومساجدها وأسواقها. تمتزج فيها الروحانية بعبق التراث، ليشعر الزائر بأنه يسافر عبر الزمن. ورغم مرور آلاف السنين، لا تزال القيروان محافظة على مكانتها كعاصمة أولى للإسلام في المغرب العربي، ووجهة تفيض بالمعرفة والجمال الهادئ الذي يلامس القلب والروح.

